زراعة الأعضاء
صفحة 1 من اصل 1
زراعة الأعضاء
يتكون جسم الإنسان من مجموعة من الأعضاء. بعض هذه الأعضاء تعتبر أعضاء حيوية Vital Organs أى لا يمكن أن تقوم حياة الإنسان بدون هذه الأعضاء، مثل الكبد والمخ والقلب والرئتين والكليتين والبنكرياس. فالإنسان مثلاً يستطيع الحياة بدون عينين، ولكنه لا يستطيع أن حيا بدون الكبد. وتوجد بعض الأمراض تؤدى إلى الفشل الوظيفى لعضو أو أكثر من الأعضاء الحيوية فى الإنسان، مما يؤدى إلى وفاته.
مع التقدم العلمى فى مجال الجراحة والتحذير وعلم المناعة وغيرها، أمكن للعقل البشرى أن يتغلب على مشكلة الفشل الوظيفى للكثير من الأعضاء الحيوية، عن طريق نقل عضو حيوى سليم من إنسان حى أو متوفى حديثاً، إلى إنسان مريض بالفشل الوظيفى لهذا العضو الحيوى. وصرنا نسمع عن زراعة القلب والكبد والكلية وغيرها.
ولقد أمكن بذلك إنقاذ حياة الكثيرين الذين كانوا فى عداد الموتى. لكن فى الوقت الذى فيه فتحت زراعة الأعضاء أبواب الأمل أمام الكثيرين، فإنها أحدثت العديد من التساؤلات من بينها:
1- هل التدخل لإنقاذ حياة إنسان هو تدخل ضد إرادة الله؟يقول قداسة البابا شنوده الثالث "إنقاذ حياة إنسان أمر لا يتعارض مع الدين. واستخدام العلم من أجل حياة الإنسان، لا يتعارض مع الدين كذلك. فالعلم نفسه هبة من الله. والعقل البشرى هبة من الله ويمكن استخدامه للخير وليس للشر".
فالتقدم العلمى فى هذا المجال، هو ثمرة العقل الذى وهبه الله للإنسان. والله أعطى الإنسان العقل ليستخدمه لخيره ولحياته.
كما أنه ليس فقط بزراعة الأعضاء تقذ الكثيرين، بل إن اكتشاف بعض الأدوية (المضادات الحيوية كمثال) أنقذت حياة الملايين من المصابين بأمراض، كان يعتبرون المصابون بها فيما قبل فى عداد الموتى. يضاف إلى ذلك أن زراعة الأعضاء لا تضمن حياة للمريض. فقد يموت المريض بعد زرع العضو فالأمر فى النهاية هو حسب إرادة الله.
2- هل يجوز لإنسان أن يبيع أحد أعضائه؟أعطى الله لجسد الإنسان كرامة خاصة "ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح" (1كو 15:13). "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم، الذى لكم من الله" (1كو 19:12). فأعضاء الإنسان ليست للبيع والشراء فهى ملك الله. لكن الله يدعونا أن نحب بعضنا بعضاً وأن تكون محبتنا محبة عملية "لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو 18:3). وقمة المحبة هى بذل الذات لأجل الآخرين. "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 13:15). فإن كان لا يجوز للإنسان أن يبيع عضواً من أعضائه، للحصول على مبلغ من المال، فإن تبرع إنسان بعضو من أعضائه لإنقاذ مريض، هو عمل نبيل.
يقول قداسة البابا شنوده الثالث:
"فإن كان الحب يمكن أن يصل إلى البذل، والبذل يمكن أن يرتفع إلى مستوى بذل الذات. فالذى يبذل نفسه من أجل الآخرين، ما أسهل أن يبذل عضواً من أعضاء جسده من أجل الآخرين".
3- هل يجوز لمسيحى أن يتبرع بعضو من أعضائه لشخص غير مسيحى؟التبرع بالأعضاء هو عمل محبة يرتفع إلى مستوى البذل، والمحبة المسيحية عميقة لا تعرف حدوداً، ولا يعوقها اختلاف فى الدين أو العقيدة أو الوطن. فالمحبة المسيحية التى تدفع الإنسان للتبرع بعضو من أعضائه، تنظر إلى احتياج المريض بدون النظر إلى عقيدته أو دينه.
4- هل نقل عضو من ميت هو أمر ضد كرامة الميت؟يقول قداسة البابا شنوده الثالث:
"أعضاء الإنسان بعد الموت كلها يأكلها الدود، وتتحول إلى تراب. فمن الخير أن ينتفع إنسان بعضو من أعضاء شخص انتقل من عالمنا الحاضر، ليحيا بهذا العضو، بدلاً من أن يأكله الدود ويتحول إلى تراب".
إن وجود هدف نبيل من نقل عضو من الميت، يجعل الأمر كرامة للميت، وليس العكس. يضاف إلى ذلك أنه حالياً يتم تشريح جسد الميت لأغراض تعليمية (فى كلية الطب)، أو لأغراض قضائية (فى حالة الشك فى وجود سبب جنائى للوفاة)، بدون أن يعتبر هذا التصرف ضد كرامة الميت.
وتجدر الإشارة إلى أهمية التأكد من موت الشخص قبل نقل العضو. ولقد اتفق الطب على أن علامة موت الإنسان، هو موت المخ. وهذا أمر يوافق عليه الدين.
كما يجب تشجيع الناس على أن يوصوا باستخدام أعضائهم بعد الوفاة، لإنقاذ حياة المرضى. ونظراً لأنه فى بعض الأحيان يكون من الصعب على الإنسان أن يفكر فى الموت ويوصى بأعضائه، فإن بعض الدول اعتبرت أن كل ميت متبرع بأعضائه، ما لم يوصى بعكس ذلك. ويمسى ذلك "بالتبرع الاعتبارى" وهذا ساعد على إنشاء بنوك للأعضاء.
5- كيف يمكن أن يستفيد الفقراء من زراعة الأعضاء؟زراعة الأعضاء مثل الكثير من ثمار التقدم العلمى الحديث أمر مكلف جداً، مما يجعل العديد من فئات المجتمع تندرج تحت بند الفقراء، بالنسبة للتكلفة العالية لهذه الجراحات. فى العديد من الدول المتقدمة تغطى مظلة التأمين الصحى هذه العمليات. أما فى بلادنا فالأمر يحتاج إلى إنشاء صندوق خاص، لتغطية تكلفة هذه العمليات (ولو جزئياً) بالنسبة للفقراء. كما أن إنشاء بنوك للأعضاء يمكن من القضاء على ظاهرة بيع الأعضاء التى تساعد على زيادة تكلفة العمليات.
فى مصر تجربة ناجحة فى مجال زراعة قرنية العين، التى بدأت فى الخمسينات من هذا القرن! فلقد تم وضع تشريع ينظم الحصول على قرنية العين من المتوفين حديثاً، مما مكن من إنشاء بنك لقرنية العين. ولقد ساعد إنشاء هذا البنك على تقديم قرنية العين بأسعار فى متناول العديدين. كما يقوم البنك بتزويد المستشفيات الجماعية بقرنيات مجاناً لعلاج المرضى والفقراء.
موت المخ Brain Death
إن سألت مجموعة من الأشخاص العاديين ما هى علامة وفاة الإنسان؟ لاتفقت إجابتهم. أما إذا سألت نفس السؤال لمجموعة من الأطباء والعلماء ورجال القانون فى بلد متقدم مثل أمريكا، لاحتاجوا إلى عقد ندوة وقد يتفقون، أو لا يتفقون فى النهاية.
إن التقدم العلمى جعل الرأى الشائع الذى يحدد وفاة الإنسان بتوقف التنفس ونبضات القلب، أمر يخالف الواقع العلمى والعلمى. ومن أشهر الأمثلة العملية: مثل المريض فى غرفة الإنعاش، الذى يوضع على الأجهزة الطبية التى تجعل القلب ينبض والتنفس مستمراً، مما يجعل الإنسان - حسب الرأى الشائع لتحديد الوفاة - ضمن الأحياء. بينما من الناحية الطبية والعملية هو إنسان ميت، إذ بمجرد نزع هذه الأجهزة يتوقف القلب فوراً عن النبض. كما أن استمرار وضع المريض على الأجهزة الطبية، لا يؤثر على تقدم حالة المريض.
التقدم العلمى جعل تحديد وفاة الإنسان أمراً أكثر تعقيداً من مجرد توقف نبضات القلب وحركة التنفس. فنزع الأجهزة الطبية عن المريض فى غرفة الإنعاش، لابد أن يسبقه إعلان أكيد لوفاة المريض، وإلا نكون أما جريمة قتل.
لذلك يتجه العالم حالياً لتحديد وفاة الإنسان بموت المخ Brain Death .
ما معنى موت المخ؟ وما هى علاماته؟المقصود بموت المخ هو توقف المخ تماماً عن العمل، نتيجة تدمير خلاياه تدميراً كاملاً. فقد يتوقف المخ عن العمل لفترة مؤقتة، مثل حالات الغيبوبة، أو تتوقف بعض وظائفه، ولكن هذا لا يعنى موت المخ. ولقد وضع الأطباء علامات أكلينيكية يمكن بها إعلان موت المخ. من أشهر هذه العلامات ما وضعته كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية التى تسمى معايير هارفارد Criteria Harvard لتحديد وفاة المخ وهى تشمل أن يعلن الكشف الطبى على المريض الآتى:
1- عدم الإحساس أو الإدراك Unreceptivity.
2- عدم الاستجابة بمؤثرات Unresponsiveness.
3- عدم وجود أى حركات تلقائية Spontaneous Movements ومنها التنفس التلقائى.
4- عدم وجود أى فعل انعكاسى Absent reflexes.
5- حركة حدقة العين Fixed dialated Pupils.
6- أن تستمر هذه العلامات مستمرة لمدة لا تقل عن 24 ساعة.
7- أن يتم تأكيد نتائج الكشف الاكلينيكى برسم المخ EEG الذى يظهر باستمرار عدم وجود أية وظائف للمخ خلال فترة 24 ساعة.
لقد وجدت هذه المعايير قبولاً فى الأوساط الطبية، وأعتبر وجودها دليلاً قاطعاً على توقف المخ تماماً ونهائياً عن العمل، بسبب تدمير خلاياه. واعتبر الأطباء أنها سبب قاطع لإعلان وفاة المريض.
لا يفوتنا أن نذكر أن هناك فرقاً بين موت المخ بمعنى توقف جميع وظائفه، وفقدان العقل. فالإنسان الذى يفقد عقله، هو كائن حى فقد بعض وظائف المخ ولكن ليس كلها. فهو لا يزال يدرك ويحس ويتحرك ويتنفس.. الخ.
الوضع القانونى:
يحدد القانون المصرى القائم الوفاة بتوقف نبضات القلب نهائياً، وكذلك العديد من بلاد العالم. ففى أمريكا مثلاً تحدد الوفاة فى قوانين أغلب الولايات الأمريكية بتوقف نبضات القلب والتنفس نهائياً. ولقد قامت مؤخراً ثمانية عشر ولاية بتغيير قوانينها، ليكون تحديد الوفاة أما بتوقف نبضات القلب والتنفس نهائياً، أو توقف وظائف المخ توقفاً تاماً.
إن قصر تحديد الوفاة بتوقف نبضات القلب يوجد وضعاً قانونياً لا يواكب التقدم العلمى، ويجعل نزع الأجهزة الطبية عن المريض الذى يتوقف قلبه عن العمل جريمة قتل من الناحية القانونية. لذلك يطالب الأطباء بتغيير القانون ليواكب التقدم العلمى. فى الوقت نفسه فإن تحديد الوفاة بموت المخ سوف بفتح المجال أمام الاستفادة بنقل الأعضاء من المتوفين حديثاً. فهناك فارق زمنى بين توقف المخ تماماً عن العمل (الوفاة) وتحلل الأعضاء والخلايا.
الوضع الد ينى:
الموت حسب المفهوم الدينى هو انفصال الروح (النفس) عن الجسد. الله خلق الإنسان من تراب وأعطاه نسمة الحياة. وعندما يستعيد الله نسمة الحياة، يعود التراب إلى التراب "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ فى أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" (تك 7:2).
عندما نفخ الله نسمة حياة، بث فيه مظاهر الحياة (فصار آم نفساً حية)، من إدراك وإحساس وحركة وتنفس ووظائف لجميع أجهزته. والموت معناه أنه يعود إلى تراب "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 11:3). أى توقف مظاهر الحياة باستعادة الله لنسمة الحياة، التى أعطاها الله للإنسان.
لذلك فإنه أن كان من الصعب تحديد لحظة دخول أو خروج نسمة الحياة للإنسان، لأن نسمة الحياة أو الروح غير مرئى، لكن يمكن تحديدها بالمظاهر المترتبة على ذلك. فتوقف مظاهر الحياة، هو دليل على انفصال الروح عن الجسد. ومظاهر الحياة فى الإنسان تعتمد على المخ ووظائفه.
فجسم الإنسان الحى ليس فقط مجموعة من الأجهزة تعمل، لكن أجهزته تعمل بتوافق وتنسيق كما أن عملها ينبع من كيان الإنسان ذاته. والذى يعطى لأجهزة الجسم أن تعمل وتعمل بتناسق، هو المخ. حقاً أن بعض العضلات، قد نعمل ولكن عملها هو لفترة محدودة جداً وبدون تنسيق بينها.
فمثلاً قد يحدث لإنسان قطعت رأسه أن يستمر قلبه فى النبض، وعضلاته فى الحركة. ولكن يعتبر هذا الإنسان ميتاً عند لحظة قطع رأسه، وليس بعد ذلك. لذلك يعتبر البعض الموت موت المخ وتوقف وظائفه، هو قطع للرأس من الناحية الفسيولوجية Physiological decapitation.
إن اعتبار توقف المخ تماماً عن أداء وظائفه، نتيجة تدمير خلاياه كلها، علامة موت الإنسان هو أمر مقبول دينياً لعدة أسباب:
1- إن توقف المخ تماماً عن أداء وظائفه، يصاحبه توقف جميع مظاهر الحياة بالنسبة للإنسان، وتوقف مظاهر الحياة معناه أن نسمة الحياة (الروح) التى أعطاها الله للإنسان، قد فارقته فلم يعد بعد نفساً حية.
2- استمرار بعض ما يبدو أنه مظاهر للحياة بعد موت المخ، مثل حركة العضلات أو نبض القلب، هو أمر متوقف لفترة زمنية محدودة جداً، لا تغير شيئاً من جهة حياة الإنسان.
3- استمرار نبض القلب أو حركة التنفس بعد موت المخ، نتيجة وضع الإنسان على أجهزة طبية، هو عملية صناعية لا أثر لها على حياة الإنسان. بل تلقى عبئاً نفسياً ومالياً على أهل المتوفى. وهى عملية تشابه - مع الفارق - عملية التحنيط التى تحفظ الجثة من التحلل والفساد الذى هو نتيجة طبيعية للموت. وقد تظل الجثة محتفظة بشكل الكائن الحى لعدة مئات أو آلاف من السنوات دون أن يغير ذلك شيئاً من جهة الحياة.
إن اعتبار علامة موت الإنسان هو توقف المخ عن العمل تماماً، يساعد فى الحالات الآتية:
1- حالة المرضى الذين هم فى غيبوبة، وتم وضعهم على أجهزة طبية لاستمرار التنفس والنبض. قد يستمر هؤلاء فى غيبوبة لعدة أيام أو أسابيع دون تقدم يذكر. فى هذه الحالة يواجه الأطباء وأهل المريض صعوبة اتخاذ قرار رفع الأجهزة عن المريض. إننا نقول بضمير مستريح أنه طالما ثبت بالدليل القاطع أن المخ قد توقف نهائياً عن العمل، فإنه يجب رفع هذه الأجهزة عن المريض الذى فارقته الروح.
2- حالات نقل الأعضاء من المتوفين حديثاً، فاعتبار علامة موت الإنسان هى موت المخ، يفتح المجال للاستفادة من نقل أعضاء المتوفين حديثاً قبل تحلل هذه الأعضاء
مع التقدم العلمى فى مجال الجراحة والتحذير وعلم المناعة وغيرها، أمكن للعقل البشرى أن يتغلب على مشكلة الفشل الوظيفى للكثير من الأعضاء الحيوية، عن طريق نقل عضو حيوى سليم من إنسان حى أو متوفى حديثاً، إلى إنسان مريض بالفشل الوظيفى لهذا العضو الحيوى. وصرنا نسمع عن زراعة القلب والكبد والكلية وغيرها.
ولقد أمكن بذلك إنقاذ حياة الكثيرين الذين كانوا فى عداد الموتى. لكن فى الوقت الذى فيه فتحت زراعة الأعضاء أبواب الأمل أمام الكثيرين، فإنها أحدثت العديد من التساؤلات من بينها:
1- هل التدخل لإنقاذ حياة إنسان هو تدخل ضد إرادة الله؟يقول قداسة البابا شنوده الثالث "إنقاذ حياة إنسان أمر لا يتعارض مع الدين. واستخدام العلم من أجل حياة الإنسان، لا يتعارض مع الدين كذلك. فالعلم نفسه هبة من الله. والعقل البشرى هبة من الله ويمكن استخدامه للخير وليس للشر".
فالتقدم العلمى فى هذا المجال، هو ثمرة العقل الذى وهبه الله للإنسان. والله أعطى الإنسان العقل ليستخدمه لخيره ولحياته.
كما أنه ليس فقط بزراعة الأعضاء تقذ الكثيرين، بل إن اكتشاف بعض الأدوية (المضادات الحيوية كمثال) أنقذت حياة الملايين من المصابين بأمراض، كان يعتبرون المصابون بها فيما قبل فى عداد الموتى. يضاف إلى ذلك أن زراعة الأعضاء لا تضمن حياة للمريض. فقد يموت المريض بعد زرع العضو فالأمر فى النهاية هو حسب إرادة الله.
2- هل يجوز لإنسان أن يبيع أحد أعضائه؟أعطى الله لجسد الإنسان كرامة خاصة "ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح" (1كو 15:13). "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم، الذى لكم من الله" (1كو 19:12). فأعضاء الإنسان ليست للبيع والشراء فهى ملك الله. لكن الله يدعونا أن نحب بعضنا بعضاً وأن تكون محبتنا محبة عملية "لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو 18:3). وقمة المحبة هى بذل الذات لأجل الآخرين. "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 13:15). فإن كان لا يجوز للإنسان أن يبيع عضواً من أعضائه، للحصول على مبلغ من المال، فإن تبرع إنسان بعضو من أعضائه لإنقاذ مريض، هو عمل نبيل.
يقول قداسة البابا شنوده الثالث:
"فإن كان الحب يمكن أن يصل إلى البذل، والبذل يمكن أن يرتفع إلى مستوى بذل الذات. فالذى يبذل نفسه من أجل الآخرين، ما أسهل أن يبذل عضواً من أعضاء جسده من أجل الآخرين".
3- هل يجوز لمسيحى أن يتبرع بعضو من أعضائه لشخص غير مسيحى؟التبرع بالأعضاء هو عمل محبة يرتفع إلى مستوى البذل، والمحبة المسيحية عميقة لا تعرف حدوداً، ولا يعوقها اختلاف فى الدين أو العقيدة أو الوطن. فالمحبة المسيحية التى تدفع الإنسان للتبرع بعضو من أعضائه، تنظر إلى احتياج المريض بدون النظر إلى عقيدته أو دينه.
4- هل نقل عضو من ميت هو أمر ضد كرامة الميت؟يقول قداسة البابا شنوده الثالث:
"أعضاء الإنسان بعد الموت كلها يأكلها الدود، وتتحول إلى تراب. فمن الخير أن ينتفع إنسان بعضو من أعضاء شخص انتقل من عالمنا الحاضر، ليحيا بهذا العضو، بدلاً من أن يأكله الدود ويتحول إلى تراب".
إن وجود هدف نبيل من نقل عضو من الميت، يجعل الأمر كرامة للميت، وليس العكس. يضاف إلى ذلك أنه حالياً يتم تشريح جسد الميت لأغراض تعليمية (فى كلية الطب)، أو لأغراض قضائية (فى حالة الشك فى وجود سبب جنائى للوفاة)، بدون أن يعتبر هذا التصرف ضد كرامة الميت.
وتجدر الإشارة إلى أهمية التأكد من موت الشخص قبل نقل العضو. ولقد اتفق الطب على أن علامة موت الإنسان، هو موت المخ. وهذا أمر يوافق عليه الدين.
كما يجب تشجيع الناس على أن يوصوا باستخدام أعضائهم بعد الوفاة، لإنقاذ حياة المرضى. ونظراً لأنه فى بعض الأحيان يكون من الصعب على الإنسان أن يفكر فى الموت ويوصى بأعضائه، فإن بعض الدول اعتبرت أن كل ميت متبرع بأعضائه، ما لم يوصى بعكس ذلك. ويمسى ذلك "بالتبرع الاعتبارى" وهذا ساعد على إنشاء بنوك للأعضاء.
5- كيف يمكن أن يستفيد الفقراء من زراعة الأعضاء؟زراعة الأعضاء مثل الكثير من ثمار التقدم العلمى الحديث أمر مكلف جداً، مما يجعل العديد من فئات المجتمع تندرج تحت بند الفقراء، بالنسبة للتكلفة العالية لهذه الجراحات. فى العديد من الدول المتقدمة تغطى مظلة التأمين الصحى هذه العمليات. أما فى بلادنا فالأمر يحتاج إلى إنشاء صندوق خاص، لتغطية تكلفة هذه العمليات (ولو جزئياً) بالنسبة للفقراء. كما أن إنشاء بنوك للأعضاء يمكن من القضاء على ظاهرة بيع الأعضاء التى تساعد على زيادة تكلفة العمليات.
فى مصر تجربة ناجحة فى مجال زراعة قرنية العين، التى بدأت فى الخمسينات من هذا القرن! فلقد تم وضع تشريع ينظم الحصول على قرنية العين من المتوفين حديثاً، مما مكن من إنشاء بنك لقرنية العين. ولقد ساعد إنشاء هذا البنك على تقديم قرنية العين بأسعار فى متناول العديدين. كما يقوم البنك بتزويد المستشفيات الجماعية بقرنيات مجاناً لعلاج المرضى والفقراء.
موت المخ Brain Death
إن سألت مجموعة من الأشخاص العاديين ما هى علامة وفاة الإنسان؟ لاتفقت إجابتهم. أما إذا سألت نفس السؤال لمجموعة من الأطباء والعلماء ورجال القانون فى بلد متقدم مثل أمريكا، لاحتاجوا إلى عقد ندوة وقد يتفقون، أو لا يتفقون فى النهاية.
إن التقدم العلمى جعل الرأى الشائع الذى يحدد وفاة الإنسان بتوقف التنفس ونبضات القلب، أمر يخالف الواقع العلمى والعلمى. ومن أشهر الأمثلة العملية: مثل المريض فى غرفة الإنعاش، الذى يوضع على الأجهزة الطبية التى تجعل القلب ينبض والتنفس مستمراً، مما يجعل الإنسان - حسب الرأى الشائع لتحديد الوفاة - ضمن الأحياء. بينما من الناحية الطبية والعملية هو إنسان ميت، إذ بمجرد نزع هذه الأجهزة يتوقف القلب فوراً عن النبض. كما أن استمرار وضع المريض على الأجهزة الطبية، لا يؤثر على تقدم حالة المريض.
التقدم العلمى جعل تحديد وفاة الإنسان أمراً أكثر تعقيداً من مجرد توقف نبضات القلب وحركة التنفس. فنزع الأجهزة الطبية عن المريض فى غرفة الإنعاش، لابد أن يسبقه إعلان أكيد لوفاة المريض، وإلا نكون أما جريمة قتل.
لذلك يتجه العالم حالياً لتحديد وفاة الإنسان بموت المخ Brain Death .
ما معنى موت المخ؟ وما هى علاماته؟المقصود بموت المخ هو توقف المخ تماماً عن العمل، نتيجة تدمير خلاياه تدميراً كاملاً. فقد يتوقف المخ عن العمل لفترة مؤقتة، مثل حالات الغيبوبة، أو تتوقف بعض وظائفه، ولكن هذا لا يعنى موت المخ. ولقد وضع الأطباء علامات أكلينيكية يمكن بها إعلان موت المخ. من أشهر هذه العلامات ما وضعته كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية التى تسمى معايير هارفارد Criteria Harvard لتحديد وفاة المخ وهى تشمل أن يعلن الكشف الطبى على المريض الآتى:
1- عدم الإحساس أو الإدراك Unreceptivity.
2- عدم الاستجابة بمؤثرات Unresponsiveness.
3- عدم وجود أى حركات تلقائية Spontaneous Movements ومنها التنفس التلقائى.
4- عدم وجود أى فعل انعكاسى Absent reflexes.
5- حركة حدقة العين Fixed dialated Pupils.
6- أن تستمر هذه العلامات مستمرة لمدة لا تقل عن 24 ساعة.
7- أن يتم تأكيد نتائج الكشف الاكلينيكى برسم المخ EEG الذى يظهر باستمرار عدم وجود أية وظائف للمخ خلال فترة 24 ساعة.
لقد وجدت هذه المعايير قبولاً فى الأوساط الطبية، وأعتبر وجودها دليلاً قاطعاً على توقف المخ تماماً ونهائياً عن العمل، بسبب تدمير خلاياه. واعتبر الأطباء أنها سبب قاطع لإعلان وفاة المريض.
لا يفوتنا أن نذكر أن هناك فرقاً بين موت المخ بمعنى توقف جميع وظائفه، وفقدان العقل. فالإنسان الذى يفقد عقله، هو كائن حى فقد بعض وظائف المخ ولكن ليس كلها. فهو لا يزال يدرك ويحس ويتحرك ويتنفس.. الخ.
الوضع القانونى:
يحدد القانون المصرى القائم الوفاة بتوقف نبضات القلب نهائياً، وكذلك العديد من بلاد العالم. ففى أمريكا مثلاً تحدد الوفاة فى قوانين أغلب الولايات الأمريكية بتوقف نبضات القلب والتنفس نهائياً. ولقد قامت مؤخراً ثمانية عشر ولاية بتغيير قوانينها، ليكون تحديد الوفاة أما بتوقف نبضات القلب والتنفس نهائياً، أو توقف وظائف المخ توقفاً تاماً.
إن قصر تحديد الوفاة بتوقف نبضات القلب يوجد وضعاً قانونياً لا يواكب التقدم العلمى، ويجعل نزع الأجهزة الطبية عن المريض الذى يتوقف قلبه عن العمل جريمة قتل من الناحية القانونية. لذلك يطالب الأطباء بتغيير القانون ليواكب التقدم العلمى. فى الوقت نفسه فإن تحديد الوفاة بموت المخ سوف بفتح المجال أمام الاستفادة بنقل الأعضاء من المتوفين حديثاً. فهناك فارق زمنى بين توقف المخ تماماً عن العمل (الوفاة) وتحلل الأعضاء والخلايا.
الوضع الد ينى:
الموت حسب المفهوم الدينى هو انفصال الروح (النفس) عن الجسد. الله خلق الإنسان من تراب وأعطاه نسمة الحياة. وعندما يستعيد الله نسمة الحياة، يعود التراب إلى التراب "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ فى أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" (تك 7:2).
عندما نفخ الله نسمة حياة، بث فيه مظاهر الحياة (فصار آم نفساً حية)، من إدراك وإحساس وحركة وتنفس ووظائف لجميع أجهزته. والموت معناه أنه يعود إلى تراب "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 11:3). أى توقف مظاهر الحياة باستعادة الله لنسمة الحياة، التى أعطاها الله للإنسان.
لذلك فإنه أن كان من الصعب تحديد لحظة دخول أو خروج نسمة الحياة للإنسان، لأن نسمة الحياة أو الروح غير مرئى، لكن يمكن تحديدها بالمظاهر المترتبة على ذلك. فتوقف مظاهر الحياة، هو دليل على انفصال الروح عن الجسد. ومظاهر الحياة فى الإنسان تعتمد على المخ ووظائفه.
فجسم الإنسان الحى ليس فقط مجموعة من الأجهزة تعمل، لكن أجهزته تعمل بتوافق وتنسيق كما أن عملها ينبع من كيان الإنسان ذاته. والذى يعطى لأجهزة الجسم أن تعمل وتعمل بتناسق، هو المخ. حقاً أن بعض العضلات، قد نعمل ولكن عملها هو لفترة محدودة جداً وبدون تنسيق بينها.
فمثلاً قد يحدث لإنسان قطعت رأسه أن يستمر قلبه فى النبض، وعضلاته فى الحركة. ولكن يعتبر هذا الإنسان ميتاً عند لحظة قطع رأسه، وليس بعد ذلك. لذلك يعتبر البعض الموت موت المخ وتوقف وظائفه، هو قطع للرأس من الناحية الفسيولوجية Physiological decapitation.
إن اعتبار توقف المخ تماماً عن أداء وظائفه، نتيجة تدمير خلاياه كلها، علامة موت الإنسان هو أمر مقبول دينياً لعدة أسباب:
1- إن توقف المخ تماماً عن أداء وظائفه، يصاحبه توقف جميع مظاهر الحياة بالنسبة للإنسان، وتوقف مظاهر الحياة معناه أن نسمة الحياة (الروح) التى أعطاها الله للإنسان، قد فارقته فلم يعد بعد نفساً حية.
2- استمرار بعض ما يبدو أنه مظاهر للحياة بعد موت المخ، مثل حركة العضلات أو نبض القلب، هو أمر متوقف لفترة زمنية محدودة جداً، لا تغير شيئاً من جهة حياة الإنسان.
3- استمرار نبض القلب أو حركة التنفس بعد موت المخ، نتيجة وضع الإنسان على أجهزة طبية، هو عملية صناعية لا أثر لها على حياة الإنسان. بل تلقى عبئاً نفسياً ومالياً على أهل المتوفى. وهى عملية تشابه - مع الفارق - عملية التحنيط التى تحفظ الجثة من التحلل والفساد الذى هو نتيجة طبيعية للموت. وقد تظل الجثة محتفظة بشكل الكائن الحى لعدة مئات أو آلاف من السنوات دون أن يغير ذلك شيئاً من جهة الحياة.
إن اعتبار علامة موت الإنسان هو توقف المخ عن العمل تماماً، يساعد فى الحالات الآتية:
1- حالة المرضى الذين هم فى غيبوبة، وتم وضعهم على أجهزة طبية لاستمرار التنفس والنبض. قد يستمر هؤلاء فى غيبوبة لعدة أيام أو أسابيع دون تقدم يذكر. فى هذه الحالة يواجه الأطباء وأهل المريض صعوبة اتخاذ قرار رفع الأجهزة عن المريض. إننا نقول بضمير مستريح أنه طالما ثبت بالدليل القاطع أن المخ قد توقف نهائياً عن العمل، فإنه يجب رفع هذه الأجهزة عن المريض الذى فارقته الروح.
2- حالات نقل الأعضاء من المتوفين حديثاً، فاعتبار علامة موت الإنسان هى موت المخ، يفتح المجال للاستفادة من نقل أعضاء المتوفين حديثاً قبل تحلل هذه الأعضاء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى